اخلاص عوض يسن تكتب :مسارات الوطن: ود مدني.. نصرُ الأرض وفرحةُ السماء.

اخلاص عوض يسن تكتب :مسارات الوطن: ود مدني.. نصرُ الأرض وفرحةُ السماء.

 

في لحظةٍ كتبها المجد بحبر النصر ودموع الفرح، عادت ود مدني إلى حضن الوطن كما تعود الروح إلى الجسد، وكما تنبض القلوب بحبٍ قديم متجدد. ود مدني، التي تغنى لها كبار الشعراء والمطربين، عادت اليوم حرةً أبية، بعد أن حاولت المليشيات المجرمة إطفاء نورها وإخماد بسمتها. ولكن هيهات! فهي مدينة الحب والسلام، لا تعرف الخنوع، ولا تنحني إلا لله والوطن.

 

اليوم، تَجَسّدَ الفرحُ السوداني في أجمل صوره، كأنه قوس قزح يزين السماء بعد عاصفةٍ عاتية. خرج الشعبُ في كل مدن السودان وقراه، وفي كل زقاقٍ وحارة، ملوحين بالأعلام، رافعين هاماتهم نحو السماء، وقلوبهم تسبّح بحمد الله الذي منحهم هذا النصر الكبير. خرج الأطفال يركضون بين الأحياء، تملأ وجوههم البسمة وبراءة النصر، وتعلو هتافاتهم ممزوجة بزغاريد النساء اللواتي زينّ البيوت بالكلمات الحلوة وأغاني الفرح.

 

ومن بعيد، كانت الطيور تُحلّق في سربٍ واحد كأنها تبادل الشعب فرحته، تنشد أناشيد الحرية، وتراقص النيل الذي يعانق ود مدني بحنانٍ عظيم. في هذا اليوم، بكى البعض من فرط السعادة؛ دموعٌ تناثرت كالمطر على خدودٍ أنهكها الحزن، لكنها اليوم استراحت وأحسّت بلذة الأمان.

 

مشاهد الفرح والعناق

عندما دخلت قوات الجيش السوداني مدينة ود مدني، كان المشهد أقرب إلى لوحةٍ سماوية نزلت إلى الأرض. رجالٌ ونساء، شيوخٌ وأطفال، يتدافعون نحو الأبطال، يزينون أعناقهم بالورود، ويرفعون الأكفّ بالدعاء. كانت التكبيرات تملأ المكان، والعيون تنظر إلى السماء شاكرة، والقلوب تتراقص بين الأمل والامتنان.

 

أما الليل، فقد كان أكثر إشراقًا من أي نهار؛ الشوارع أُضيئت بنجوم الحب والولاء للوطن، وامتزجت الأغاني بالهتافات في مشهدٍ لا تُخطئه العين. الأغنية العذبة “بلدنا نعلي شانا” للشاعر إسماعيل حسن، التي تغنى بها الراحل محمد وردي، علت من مكبرات الصوت، وكأنها تهدهد المدينة العائدة من ظلامٍ طويل إلى حضن الحريةوصدحت أيضا الفنانة ندي القلعة:

“الليلة عرسك يا الجزيرة.. وكان عرس مهرة غالي”

عرس النصر الكبير الذي زُيّن بالدماء الطاهرة للشهداء الذين خضبوا أرض الجزيرة بدمائهم الزكية، أرواحٌ طيبة سلمت إلى بارئها دفاعًا عن شرف الوطن وكرامته. نترحم عليهم ونسأل الله أن يسكنهم الفردوس الأعلى، ونرفع أكفّ الدعاء بالشفاء العاجل للجرحى الذين رغم ألم جراحهم، يعلوهم شعور النصر الذي لا تضاهيه مرارة الألم.

 

رسالة إلى الخونة والعملاء

إلى كل من باعوا ضمائرهم، وخانوا ترابهم، وباعوا وطنهم بثمنٍ بخس: ألم تروا اليوم الفرق الشاسع بين استقبال الأحرار ود مدني وبين احتلالكم لها؟ حين دخلتم المدينة، ملأتموها بالرعب والخراب، وقتلتم وشردتم وسرقتم واغتصبتم حرائرها. ولكن عندما دخلها الجيش، خرج الناس طواعيةً، يهللون ويكبرون، وأعادوا للحياة ألوانها البهية أمنيين مطمئنين

النصر الذي يخطه الإيمان والشجاعة لا تهزمه المؤامرات ولا تقف في وجهه الجيوش المأجورة. شعب السودان اليوم كطودٍ شامخ، متحدٌ بإرادةٍ لا تلين، مؤمنٌ بعدالة قضيته، يقف بجانب جيشه الذي هو حصنه ودرعه. وأمام هذه اللحظة، لا يملك أعداء الوطن سوى الذل والخيبة، فالنصر لا يراهم ولا يعترف بهم.

ود مدني رمز الوحدة والمجد

ود مدني هي السودان بكل ألوانه وأطيافه، هي حضن المحبة الذي لا يعرف عنصرية ولا قبيلة، ولا مكان فيه إلا للإنسان. في قرى الجزيرة تتعايش القبائل في ألفةٍ ومودة، يقدمون صورةً زاهية عن قيم التسامح السوداني. وها هي ود مدني اليوم، كما كانت دومًا، تستقبل أبناءها من كل بقاع السودان بأذرعٍ مفتوحة وقلوبٍ بيضاء، نابضة بحبٍ أصيل للوطن الذي لا يُساوم عليه.

 

اليوم هو يوم ود مدني، لكنه أيضًا يوم السودان الكبير. نحتفل جميعًا بعودة النور إلى مدينةٍ أطفأتها المليشيات لكنها لم تمت، ونباهي العالم بشعبٍ يُبنى على الإخاء والوحدة. سنظل نردد: هذا وطنٌ نفخر به، وجيشٌ نحبه، ونصرٌ من الله قادمٌ يعم كل أرجاء البلاد، وكل من راهن على ضعفنا سيسقط أمام وحدتنا وبسالة رجالنا الأبطال.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة