«حضرتك راجل بركة، وبتاع ربنا.. مالك ومال السياسة والحكم والمطامع الدنيوية الزائلة.. لماذا لا تستمر فى التفرغ والتركيز فى الدين والروحانيات والزهد والدعوة؟!!».
الكلام السابق، هو ما يمكن أن يوجهه رجل السياسة المدنى المحترف إلى أنصار الإسلام السياسى الذين يتاجرون باسم الإسلام، أو على الأقل يخلطون بين الدين والسياسة.
فما هو رد رجل الدين على رغبة رجل السياسة؟!.
يشرد ذهنه ويمشط لحيته، ويفكر بعمق، ويهز رأسه ثم يقول: «طيب، أوافقك الرأى، لقد اقتنعنا، وسوف نتوقف بإذن الله عن الخلط والجمع بين الدعوى والدينى السياسى.
يشعر رجل السياسة بالسعادة معتقدا أن رجل الدين قد اختار العمل الدعوى فقط واعتزل العمل السياسى، لكنه يتفاجأ بأن رجل الدين قد قرر اختيار العمل السياسى، وانه قرر اعتزال العمل الدعوى، فيصاب بالدهشة الممزوجة بالحزن وربما الغضب!.
كل ما سبق هو كلام قرأته على صفحة الزميلة الإعلامية المرموقة نوران سلام، تعليقا على التطورات الدراماتيكية التى حدثت خلال المؤتمر العام العاشر لحركة النهضة التونسية الإخوانية مساء يوم الجمعة الماضى فى مدينة رادس جنوب العاصمة.
فى هذا المؤتمر أعلن الزعيم التاريخى للنهضة راشد الغنوشى أن حزبه قرر الفصل الكامل بين النشاط السياسى والنشاط الدعوى الدينى.
وقال الغنوشى: «ندعو إلى التنحية الكاملة للمساجد عن خصومات السياسة، والتوظيف الحزبى لتكون مجمعة لا مفرقة، وقررنا التفرغ للعمل السياسى بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام».
الرئيس التونسى باجى قايد السبسى ــ الذى كان حاضرا المؤتمر ــ قال إن هذا الإعلان يعنى أن حركة النهضة لم تعد خطرا على الديمقراطية.
ما قررته النهضة تطور مهم للغاية بالنسبة لحركات الإسلام السياسى فى المنطقة العربية والإسلامية، وهو مطلب طالما نادى به كثيرون. لأنه يعنى أن ما كان يحدث فى الماضى هو خلط بين الدين والسياسة، ومتاجرة فجة بالدين. كانوا عندما يفشلون فى العمل السياسى يقولون لك «نحن رجال دين أو بتوع ربنا»، وعندما نكشف زيف متاجرتهم بالدين يقولون لك نحن حزب سياسى!.
حركة النهضة التونسية وسائر الأحزاب وجماعات الإخوان فى العالم العربى مدينون بالكثير لمصر والمصريين خصوصا الذين شاركوا فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣. يمكنك أن تختلف كما تشاء مع ٣٠ يونيو، ويمكنك أن تصفها بأى شىء من أول الفوتوشوب إلى الانقلاب! لكن المؤكد أنها كشفت لعبة الإخوان وغيرهم من «الإسلاميين» فى خلط السياسة بالدين، وجعلت حتى البسطاء يدركون هذه اللعبة والتمثيلية، وبالتالى فإن المتاجرة بالدين قد توقفت لفترة طويلة.
المتابعون لنشاط «نهضة تونس» يقولون انها ما كان يمكنها الاستمرار لولا أنها استفادت واتعظت من «رأس الذئب الطائر» لأشقائهم فى مصر.
السؤال الجوهرى هو: هل ستصدق النهضة أو أى حزب إخوانى ويركزون فقط على السياسة وينسون الدعوى أو الدينى؟.
الإجابة قدمها المحلل السياسى التونسى جمال العرفاوى حيث قال لرويترز إن «النهضة» فهمت وأدركت أنه لا مستقبل للإسلام السياسى بعد أن قرأت بعمق ما حدث فى مصر والمنطقة للمحافظة على وجودها. يضيف أن الحركة قد تكون أقنعت الغرب والشرق بأنها تغيرت لكنها المهم: هل أقنعت وستقنع الداخل التونسى؟.
يضيف كما نشرت «الشروق» أمس الأحد: «هناك اعتقاد فى تونس بأن حركة النهضة تواصل الرقص ولكنها فقط غيرت الموسيقى»!.
أتفق إلى حد كبير مع كلام العرفاوى، وإمكانية تغيرهم بالكامل امر صعب جدا لأن غالبيتهم، تربوا على الخلط والمتاجرة بالدين والسياسة معا. ورغم ذلك وحتى لا أفتش فى ضمير الآخرين، فعلينا أن نرحب بما فعلته النهضة فى تونس، وننتظر ما سيحدث على أرض الواقع، وهل سيواصلون الزعم بأنهم بتوع ربنا ويحتكرون الدين وتفسيره، أم لا؟!.
والآن نسأل: إذا كانت النهضة فهمت واستوعبت الزلزال الذى حدث فى ٣٠ يونيو فى مصر وكذلك غالبية اخوان المنطقة العربية، فلماذا لم يستوعب إخوان مصر الدرس حتى الآن؟!.