masrelwatan.com

حكمان سابقان لـ«الدستورية» يشعلان المعركة القانونية حول أعمال السيادة

حكم 1984 يخرج اتفاقيات العلاقات الدولية وقرارات السياسة العليا من رقابة القضاء.. ويؤكد: السلطة التقديرية للمحاكم حكم 1993: ليست كل الاتفاقيات الدولية أعمالًا سياسية.. وليس كل ما يعرض على البرلمان عصيًا على الرقابة

alt=

-مصرالوطن tv-

تنبئ حيثيات حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وما استندت إليه هيئة قضايا الدولة فى طعنها على الحكم، بمعركة قانونية شرسة أمام المحكمة الإدارية العليا حول مسألة اختصاص القضاء بالرقابة على أعمال السيادة بصفة عامة؛ وبصفة خاصة على الاتفاقيات الدولية.
وأشارت حيثيات الحكم الصادر الثلاثاء الماضى إلى سابقة للمحكمة الدستورية العليا بإخضاع المعاهدات التى أصبحت لها قوة القوانين لرقابتها، ورفضها الاحتجاج بفكرة أعمال السيادة لمنعها من نظر الدعوى الدستورية المتعلقة بالاتفاقيات الدولية.
بينما تصر هيئة قضايا الدولة فى مذكرتها إلى سوابق أخرى للمحكمة الدستورية العليا باعتبار هذه المعاهدات من أعمال السيادة لا يختص بها القضاء.
عادت «الشروق» إلى أرشيف أحكام المحكمة الدستورية للاطلاع على اتجاهاتها إزاء هذه المسألة، وتبين إصدارها حكمين مهمين بشأن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، انتهى أحدهما إلى عدم الاختصاص، وانتهى الآخر إلى الاختصاص.
ورغم الاختلاف بين الحكمين فى النتيجة إلاّ أنهما اتفقا فى حيثياتهما على «السلطة التقديرية للقضاء» فى تقييم ما إذا كان العمل المعروض عليه سياديا أم لا، سواء كان ذلك قرارا أو قانونا أو اتفاقية دولية وقعت عليها مصر.
ــ الحكم الأول صدر فى 21 يناير 1984 برئاسة المستشار فتحى عبدالصبور رئيس المحكمة آنذاك، وقضى بعدم اختصاص المحكمة بنظر الاتفاقيات الخاصة بالعلاقات الدولية وتقتضيها السياسة العليا للبلاد لاندراجها ضمن أعمال السيادة التى ينبغى أن تنحسر عنها الرقابة القضائية الدستورية.
صدر الحكم فى دعوى أقامها ورثة مواطن مصرى صدمته سيارة تابعة لجيش الجزائر يقودها جندى جزائرى كانت تسير بدائرة قسم الجمالية فى يونيو 1975، فلقى مصرعه.
طلب الورثة إلزام الجندى الجزائرى ووزير الحربية المصرى بأداء تعويض مالى لهم تأسيسا على ثبوت خطأ الجندى الجزائرى، إلاّ أنهم اصطدموا بالمادة الخامسة من «اتفاقية تنظيم إقامة الجيوش العربية فى البلد الذى تقضى الضرورات العسكرية بانتقالها إليه» والتى تنص على إخضاع أعضاء القوات الحليفة لولاية قضائهم الوطنى، وبالتالى فلم يعد من الممكن مقاضاة الجندى الجزائرى أمام القضاء المصرى.
وأسست المحكمة حكمها بعدم الاختصاص على أن «الاتفاقية المطعون فيها أبرمت وفقا لقرار مجلس ملوك ورؤساء دول الجامعة العربية عام 1964، ووافق عليها مجلس الدفاع المشترك عام 1965» مما يشير إلى أن «إبرامها جاء فى إطار الجامعة العربية تنظيما لأوضاع الدفاع المشترك بين دولها، ووافقت عليها مصر بهدف الحفاظ على كيان الدولة واستجابة لمقتضيات سلامتها وأمنها الخارجى، مما يجلعها من المسائل المتصلة بعلاقاتها الدولية وتقتضيها السياسة العليا للبلاد، وتندرج ضمن أعمال السيادة».
ولم تلتفت المحكمة إلى أن المادة الخامسة من الاتفاقية مخالفة للمادة 68 من دستور 1971 فيما تضمنته من حرمان المواطنين من اللجوء لقاضيهم الطبيعى.
غير أنها أفردت جزءا بارزا من الحكم للحديث عن أعمال السيادة، فذكرت أن «القضاء والفقه استقرا على استبعاد أعمال السيادة من رقابة القضاء» وأن هذه النظرية فى أصلها نشأت فى ساحة القضاء الإدارى الفرنسى، ووجدت فى مصر بنص تشريعى يرجع إلى بداية التنظيم القضائى الحديث الذى أقرها بنصوص صريحة فى صلب التشريعات المتعاقبة المنظمة للمحاكم ومجلس الدولة، ومنها قانونا السلطة القضائية ومجلس الدولة رقمى 46 و47 لسنة 1972.
واعتبرت المحكمة أن «أعمال السيادة تستبعد من رقابة القضاء تحقيقا للاعتبارات السياسية التى ترتبط بنظام الدولة السياسى أو بسيادتها فى الداخل والخارج».
ثم فتحت المحكمة بابا يضمن مرونة نسبية للتعامل مع هذه النظرية، فذكرت أن «العبرة فى التكييف القانونى لما يعتبر من أعمال السيادة وما لا يعتبر منها هى بطبيعة هذه الأعمال ذاتها، التى يجمعها إطار عام بأن تصدر عن السياسة العليا للدولة بما لها من سلطة عليا وسيادة داخلية وخارجية مستهدفة تحقيق مصلحة الجماعة، مع احترام الحقوق الدستورية وتنظيم علاقاتها الخارجية، وتأمين سلامتها فى الداخل، والدفاع عن إقليمها (والمرد فى ذلك إلى السلطة التقديرية للقضاء وحده)».
ويستفاد هنا من هذا الحكم، أنه على الرغم من قضائه بعدم الاختصاص بمراقبة المسائل المتصلة بالعلاقات الدولية والسياسة العليا للبلاد، إلاّ أنه لم يتعامل مع نظرية أعمال السيادة وكأنها قوالب جامدة، بل أقر للقضاء سلطة تقديرية لتحديد ما يراقبه وما لا يراقبه.
ــ أما الحكم الثانى فيعود لجلسة 19 يونيو 1993 برئاسة المستشار محمد أبوالعينين وشارك فيه رئيس المحكمة الدستورية الحالى المستشار عدلى منصور، وقد استندت إليه محكمة القضاء الإدارى فى حكمها الأخير فى إخضاع الاتفاقيات الدولية للرقابة القضائية.
كان الطعن مقاما على اتفاقية تأسيس المصرف العربى للتجارة الخارجية والتنمية الصادرة بموافقة مصر عليها قرار جمهورى عام 1974.
دفعت الدولة بعدم اختصاص المحكمة باعتبار الاتفاقية معاهدة دولية وافق عليها مجلس الشعب وأصبحت من أعمال السيادة.
فردت المحكمة بأن «الأعمال السياسية مستبعدة من مجال الرقابة القضائية، إلاّ أن تحديد التكييف القانونى لهذه الأعمال يكون بطبيعتها لا بالأوصاف التى يطلقها المشرع عليها» وأن أعمال السيادة التى تنأى عن رقابة القضاء هى التى تأتى استجابة لدواعى الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا، وتقتضى لذك منح السلطتين التنفيذية والتشريعية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقا تحقيقا لصالح الوطن وسلامته».
وأكدت المحكمة بناء على سلطتها التقديرية أنه «ليس صحيحا إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولية ــ أيا كانت موضوعاتها ــ من الأعمال السياسية، وليس صحيحا أيضا أن كل الاتفاقيات الدولية التى تعرض على مجلس الشعب تصبح من الأعمال السياسية تلقائيا وتخرج من نطاق الرقابة القضائية».
ووفقا لهذا التكييف، أطلقت المحكمة يدها وتحررت من قيد أعمال السيادة أو الأعمال السياسية، وأخضعت الاتفاقية المطعون عليها لرقابتها، لأنها «تتمخض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التى تقوم بها البنوك التجارية، فلا يمكن اعتبار ذلك من الأعمال السياسية، ولا يغير من ذلك ما تضمنته نصوص الاتفاقية من امتيازات معينة للبنك أو موظفيه أو المساهمين فيه».
وكانت  قد نشرت أمس حيثيات حكم أصدره القضاء الإدارى عام 2013 بإحالة اتفاقية وقعت عليها مصر عام 2001 إلى «الدستورية» رغم إصدارها بقرار جمهورى والتصديق عليها من مجلس الشعب، مما يطرح احتمالية إحالة ملف قضية «تيران وصنافير» إلى المحكمة الدستورية حتى بعد التصديق على الاتفاقية المشتركة مع السعودية، وذلك إذا أعيد الطعن عليها مرة أخرى.

 

Exit mobile version